العام 1998

آخر الأخبار

الاثنين، 27 فبراير 2017

العام 1998

صوت المذياع يتخلل اذناي .. امي تحاول جاهدة ايقاظى و انا احاول تجاهلها متظاهرا بأنني استيقظت بالفعل لتتركني و تذهب لايقاظ اخى فأختلس خمس دقائق أخرى من النوم .. صوت فؤاد المهندس في "كلمتين و بس" مع نداء ابي يضغط علي وعي لا يريد العودة و لكنه يعود مجبرا .. اجد كوبا من الشاي الساخن في يدي فجأه دون أن اطلبه .. اجلس علي كرسي في مقابل تلفاز لا يعرف سوى "صباح الخير يا مصر" في ذلك الوقت لا يخرج صوتا ، مجرد صور علي خلفية صوت المذياع .. صوت فايزة احمد الذي يقبض قلبي بهذه الأغنية الغريبة كأنها تودعك الي الدار الآخرة ينبهني الي انني تأخرت " بالسلامة ياحبيبي بالسلااااامة .." .. اغتسل و ارتدي ملابسي في ثلاثة دقائق لا غير و احمل "الاكلاسير" بعد أن ابتز والدي في مبلغ اضافي بعد أن انتحر مصروفي منذ ثلاثة أيام و اذهب ...
اجد صديق عمرى ينتظرني تحت بيته الملاصق لبيتي و تلك النظرة المرتسمة علي وجهه و التى اعرفها جيدا .. فلقد تأخرت كعادتي و هو مستاء كعادته .. و لكن هذا التأخير لن يمنعني من ممارسة طقوسي اليومية ليزيد التأخير تأخير و لتحترق روما بمن فيها إن أرادت .. أقف عند ذلك المطعم القديم الذي يتجاوز عمره عمر ابي لابتاع شطيرتين من الفول و الطعمية .. أشق الزحام من اجل الوصول للبائع و صديقي يرمقني بنظره نارية تكاد ترديني قتيلا .. صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد ينطلق من مذياع المطعم كعادته الأبدية منذ أن ولدت و حتي الان ... اقف مسحورا بهذا الصوت العذب الذي طالما أحببته رغم انني لست بمسلم و لكن جمال الصوت و التلاوة يشجيني و يأسرني .. أتوجه بعد معركة الشطائر الي تلك الناصية الشهيرة التى يتجمع فيها شمل الاصدقاء يوميا .. لنشكل مظاهرة مكونة من ثماني عشرة فردا متجهين في مهمة حربية بداخل تلك الغابة المدعوة مدرسة .. امشي متباطئا لابقي في المؤخرة .. لحظات و ستظهر فتاتي .. تأتي متأنيه خجول واضعة وجهها بالارض .. أن اصدقائي يملئون الدنيا صخبا و شتائم و معاكسات للذاهبة و الآتية .. الي ان تمر هي فيصمت الجميع من باب احترام خصوصية الاخرين فكل منا يحترم الاخر و فتاته و كأنها معاهدة دولية صارمة .. القي تحية الصباح بمجرد ان تمر بجانبي فترد هي بهمهمه غير مفهومة و لكني استنتج انها صباح الخير ..
اذهب الي المدرسة لاتلقي عقابي المتوقع المكرر نظرا للتأخير و الذي يكون في الغالب تذنيبنا لاول حصة .. جميع رفقائي ينعتوني بأفظع الألقاب نظرا لانني السبب بالتأخير و معظمهم يحلف بأغلظ الايمان أنه لن ينتظرني ثانية .. كل هذا من اجل الا افوت تحية الصباح ..
اجلس في صفي قبل الأخير أطالع روايات الجيب التى اعشق تعاطيها ادمانا دون أن يشعر المدرس الذى لا يكترث لنا و لا نكترث له ... فكل منا يريد أن تمضي الحصة سريعا .. الحصة الثالثة مدرسها غائب لذا فنقضيها في نميمة لذيذة عن الفتيات و احيانا نتحدث في مواضيع غريبة او نتكلم عن مسلسلنا المفضل او نتحاكى بالمعركة الدموية التى أريقت فيها لترات الدماء بين سيد الاخرس و مجدى برشامة في فسحة امس .. او نذهب الي الموضوع المحبب جدا الي القلب في تلك السنوات البريئة و هو الجنس بالطبع ..
تأتي الفسحة بعد طول انتظار لنقف فى دائرة انا و اصدقائي و نبدء في القاء النكات و المذاح الثقيل الذى هو اقرب الي التشاجر او صراع الديكة .. و مع نهاية الفسحة نقرر التزويغ من اجل مبارة كرة قدم في الشارع الخلفي بكره لا يتعدي قطرها عشرة سنتيمترات ..
احاول محاولة يائسة في ان اعيد تنسيق ملابسي مره اخرى و احياء أناقة ماتت بمئة مشاجرة مع الجيران و كل الواقفين بالشارع من اجل عدم لعب الكرة ههنا .. و لكننا نملك إصرار ذباب الصحراء فأن اردنا اللعب لا يمكن ايقافنا سوى بقنبلة هيدروجينية .. الملم ما تبعثر من هندامى و احاول إزالة الأتربة عن ملابسى من اجل تحية المساء منتظرا تلك الهمهمه التي قد ظننتها لغة كيوبيد ذاته آنذاك ..
أصل الي منزلي واجدا امي الحبيبة في انتظارى حاملة ذلك الوحش البلاستيكي في يدها لترهبنا به و انا اعلم انها لا تعرف كيف تستخدمة .. اشعر بالشفقة تجاه تلك المرأة فهي لم ترى جابر زميل فصلي البلطجى و هو يغرس تلك المطواه في وجه الواد عاطف منذ يومين .. أظنها لا تعرف شيئا عن عالمى بالخارج ..
بعد الاستحمام و الغداء الذي يلازمه المحشى دائما اضيع الوقت في اي شئ و في الاغلب سماع الاغاني او متابعة التلفاز قليلا .. أن ايهاب توفيق نجم الساحة في ذلك الزمان ببؤسه و كآبته خصوصا في كوكتيلات هاي كواليتي .. بعد فترة العصرية اتخذ قرار مصيريا بانني ذاهب للمذاكرة عند صديقي في البيت المجاور تاركا مجلس الشعب مذاعا علي القناة الاولي ...
اذهب الي صديقي بملابس المنزل .. فاستبدلها عنده بملابس معده مسبقا و متروكة في دولابه علي الدوام من اجل هذه المناسبات العظيمة .. و أشكره لتستره علي جرائمى المعتادة لاخرج في كامل اناقتي للخروج مع بعض الاصدقاء و الصديقات او مقابلة فتاتي صدفة لألقاء التحية مجددا و ربما تبادل اربع او خمس جمل علي الاكثر ..
اعود الي منزلي بعد أن استعدت ملابس البيت مجددا عند صديقي و بعد انقضاء ما يقرب من أربعة ساعات او اكثر قليلا .. الارهاق بادي علي وجهي من اثر كثرة المذاكرة بالطبع .. يتصادف هذا مع ميعاد دخول ابي الي المنزل لنعد عشاء فاخر ( العشاء هو افخر وجبات اليوم بمنزلنا )و نتابع تاكسي السهرة او فيلما عربيا لا تكمله من اجل ميعاد النوم الذي تجاوز الثانية عشرة .. اخلد الي سريرى مفكرا في كل احداث يومي الحافل .. مدندنا للحن اغنية قد علقت بذهني الي ان اغوص في النوم بعد ساعة تقريبا .. و ليأتي يوما جديدا حافلا في حياة المراهقة السعيدة التي كنا لا نملك بها سوى كل المعاني المطلقة الجميلة ..
#مينا_فايق
#على_ما_تفرج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لـashtya8
تعريب وتطوير ( احمد ناصر ) Designed By